سورة التوبة - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


طوعا: باردتهم. كرها: من غير ارادتهم. تزهق انفهسم: تخرج بصعوبة. يَفرقون: يخافون بشدة. ملجأ: مكان يتحصنون به. مغارات: جمع مغارة، معروفة. مدخلا: سربا في الأرض يدخله الإنسان بدة. يجمعون: يسرعون اسرعا لا يردهم شيء. يقال جمع الرجل: ركب هواه فلا يرده شيء.
{قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ}.
بعد أن بيّن الله تعالى أعذار المنافقين الكاذبة، تعللاتِهم الباطلةَ في التخلُّفِ عن الجهاد، وما يجول في نفوسِهم من كراهتهم للرسول اصحابه، وأنهم يتربَّصون بهم الدوائر- بيَّن هنا أنّ بعضَ هؤلاء المتربِّصين من المنافقين قد عَرَضَ ماله، وهو يعتذر عنه الجهاد، فردَّ الله عليهم مناورتهم، وكلّف رسوله ان يعلن ان إنفاقَهم غيرُ مقبولٍ عند الله قل ايها الرسول للمنافقين: أنفِقوا ما شِئتُم طائعينَ أو مُكْرَهين فلن يتقبل الله عملّكم الذي أحبطَهُ نفاقُكم، لأنكم قومٌ فاسقون خارِجون من دائرة الايمان.
{وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَبِرَسُولِه}. وما ِمنع اللهَ من قبول نفقاتِهم إلا كُفرهم بالله، وكفرهم برسوله وما جاء به من الهدى.
{وَلاَ يَأْتُونَ الصلاة إِلاَّ وَهُمْ كسالى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ}.
ولا يصلُّون إلا رياءً وتِقِيَّة، لا إيماناً بوجُوبها. فهم يؤدّونها غير مُقْلِلين عليها، سَتْراً لِنفاقهم، ويؤدونها متثاقلين كسالى لا تنشرح لها نفوسُهم ولا تنشَط لها أبدانهم، ولا يُنفقون أموالهم في مصالح الجهاد وغيره إلا وهم كارهون لذلك.
هذه صورة المنافقين في كل آن، خوفٌ ومدارارة، وقلبٌ منحرف، وضمير مدخول، {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} (سورة الفتح).
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي {وما منعهم ان يقبل منهم نفقاتهم} بالياء.
{فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الحياة الدنيا}.
فلا تعجبْك ايها الرسول اموالُهم ولا أولادهم وما هم فيه من نِعم وخيرات، فان الله تعالى جعلَ هذه الاموالَ حسراتٍ عليهم، لأنهم لا ينتفِقعوا بها في الحياة الدنيا، ولن يؤْجَروا عليها في الآخرة. اما الأولاد فإنهم اعتنقوا الإسلام وأخلَصوا له، فكان ذلك أشدَّ حسرةً على آبائهم، ولا شيء أشدُّ على الوالد من أن يكون ولده على غير دينه. وكان عبد الله بن عبد الله ابن أُبَيّ من اكبر المسلمين المتحمسين للاسلام، وقد عرض على الرسول الكريم ان يَقتُلَ أباه، فلم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا معنى: انما يريدُ الله ليعذِّبَهم بها في الحياةِ الدنيا.
{وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}.
وتخرج أرواحُهم بصعوبة وشدة حين يموتون على الكفر فيعذّبهم اللهُ كفرِهم في الآخرة كما عذّبَهم بأموالِهم وأولادهم في الدنيا.
وبعد أن بين الله حالة المنافقين وفضحَهم بأنهم يُظهرون غير ما يضمرون، ذكر هنا غلوَّهم في النفاق، فقال: {وَيَحْلِفُونَ بالله إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ ولكنهم قَوْمٌ يَفْرَقُونَ}.
يُقسم هؤلاء المنافقون كَذِباً بأنهم مؤمنون مثلكم وأنهم منكم، والحقيقة أنهم ليسوا مؤمنين بالله، وليسوا منكم، لكنّهم قومٌ يخافونكم، مما يدفعهم إلى النفاق.
لقد ملأ الرعب قلوبهم، فلا يدرون ماذا يفعلون، واين يتوجهون أو يختبئون؟ وهذا ما تعبر عنهم الآية الكريمة الآتية: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ}.
وانهم لشدة كرههم للقتال معكم، ولبغضهم معاشرتكم، ولشدة جبنهم وخوفهم من ظهور نفاقهم لكم- يتمنون الفرار منكم والعيش في أي مكان يعتصمون به، فهم تطلقعون أبداً إلى مخبأ يجمعهم، ويأمنون فيه، وليكن حصناً أو مفاغرة أو رسدابا ضيقا. انهم مذعورون يطاردهم الفزغ الداخلي والجبن الروحي، ولذلك يحلفون بالله إنهم منكم، ليتقوا انكشاف طويتهم، ولكن الله لا يخفى عليه شيء.


يلمزك: يعيبك ويطعن بك في وجهك. حسبنا الله: يكفينا الله. إلى الله راغبون: محبّون ضارعون.
{وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}.
لا يزال الحديث في مساوئ المنافقين. فبعض هؤلاء المنافقين يعيبك أيها الرسول، ويطعن عليك في قِسمة الصدَقات والغنائم. اذ يزعمون أنك تُحابي فيها.. تؤتي من تشاء من الأقارب، واهلِ المودّة، ولا تراعي العدْل، فإن أعطيتَهُم ما يرغبون رضوا عن عملِك وإلا فإنهم يَسْخَطون ويغضبون.
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: «بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يَقْسِم مالاً إذ جاءه حرقوص بن زهير ذو الخُويصِرةَ التميميّ، فقال: اعدِلْ يا رسول الله فقال: ويلَك، ومن يعدِل إذا لم أعدِلْ!؟ فقال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرِب عنقه، فقال رسول الله: دعه» الحديث.
وهناك عدة روايات تدل على أن اشخاصاً من المنافقين قالوا ذلك لأنّهم لم يأخذوا من الصدقات، فنزلت فيهم هذه الآية.
ثم يبين الله تعالى ما هو الألْيَقُ بالانسان، وهو الرضا بِقِسمة الله ورسوله، والقناعةُ والاكتفاء بالله، والرجاء في فضله، فقال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى الله رَاغِبُونَ}.
ولو ان هؤلاء المنافقين الذين عابوك في قِسمة الصدَقات، رضوا بما قَسَمَ اللهُ لهم، وهو ما اعطاهم رسول الله، وطابت نفوسهم به- وان قَلَّ- وقالوا: كفنا حُكم الله، وسيرزقُنا من فضله، لأن فضلَه لا ينقطع، ورسولُه لا يبخَس أحداً وإنّا إلى طاعة الله وإحسانه راغبون، لو فعلوا ذلك- لكان خيراًلهم من الطمع.
والخلاصة: انهم لو رضوا من الله بنِعمته، ومن الرسول بقِسمته، لكان في ذلك الخير كل الخير لهم.
قراءات:
قرا يعقوب: {يلمزك} بضم الياء وقرأ ابن كثير: {يلامزك}.


الصدقات: الزكاة المفروضة. الفقراء: هم الذين لا يجدون كفايتهم. المساكين: الذين لا يجدون كفايتهم ولا يستطيعون العمل العاملين عليها: كل من يعمل على تحصيل المال. المؤلفة قلوبهم: هو الذين يراد استمالتهم إلى الاسلام. وفي الرقاب: عتق العبيد والغارمين: الذين عليم دين لا يستطيعون تأديته. وفي سبيل الله: الجهاد، وكل عمل في الصالح العام، وابن السبيل: هو المنقطع عن بلده في سفر ولم يبق معه مال يوصله إلى بلده.
بعد أن بيّن اللهُ الأدبَ اللائق في حقّ اللهِ والرسول، وأن الصدقاتِ فرضها الله ثم أمر الرسولَ الكريم بقسمتها، عدّد الذين يستحقّون الزكاة المفروضة. وهؤلاء هم المحتاجون لها حقيقة.
{إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَآءِ}.
لا تصرف الزكاة المفروضة إلا للفقراء الذين لا يجِدون ما يكفيهم {والمساكين} وهم اسوأ حالاً من الفقراء، لقوله تعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] {والعاملين عَلَيْهَا} الذين يجمَعونها من جُباة أو موظفين وغيرهم.
روى أحدم والشيخان عن ابن السعدي المالكي قال: استعمَلَني عُمَرُ على الصدقة، فلما غرغتُ منها وأدّيتُها اليه امر لي بِعُمالةٍ، فقلت: إنما عَمِلتُ لله، فقال: خذْ ما أُعطِيتَ فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني عمالة، فقلتُ مثلَ قولك، فقال رسول الله: «إذا أُعطيتَ شيئاً من غيرِ أن تسألَ فكُلْ وتصدَّق».
{والمؤلفة قُلُوبُهُمْ} وهم قومٌ يراد استمالتُهم إلى الإسلام وترغيبهم فيه.
{وَفِي الرقاب} تُدفع الزكاة من أجل عِتْقِ العبيد، وهذا غير موجود اليوم.
{والغارمين} وهم الّذين عَلْيهِم دُيون وعجَزوا عن وفائها، تُدفع لهم الزكاة ليوفوا ديونهم.
{وَفِي سَبِيلِ الله} في تزويد المجاهدين في سبيل الله، وفي كل عمل ينفع المسلمين في مصالحهم العامة.
{وابن السبيل} وهو المسافر الذي انقطعَ عن بلدِه، فيعطَى ما يستعين به على العَودة إلى بلده، ولو كان غنيا.
{فَرِيضَةً مِّنَ الله والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
شرع الله ذلك فريةً منه لمصلحة عباده، وهو عليم بمصالح خلْقه، ومقدار حاجاتهم، حكيم فيما يشرعّه لهم.
والزكاة مفصّلأة في كتب الفقه: تدفع بنسبة العُشْر من الزرع الذي يُسقى بماء السماء، ونصف العشر من الزرع الذي يسقيه صاحبُه ويكلّفه ذلك نفقةَ، وعن الاموال ربع العشر مقيّما اثنين ونصفاً بالمئة. وكل من عنده نحو عشرين دينار فائضه عن نفقته ودَينه يدفع الزكاة.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9